النظام القانوني للمنافسة غير المشروعة
في الاتفاقيات الدولية
أين تقع مسائل المنافسة غير المشروعة من النظام الدولي لحماية الملكية الفكرية ؟؟
ان اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية تنص في في الفقرة الثانية من المادة الاولى على انه :-
( تشمل حماية الملكية الصناعية براءات الاختراع ونماذج المنفعة والرسوم والنماذج الصناعية والعلامات الصناعية أو التجارية وعلامات الخدمة والاسم التجاري وبيانات المصدر أو تسميات المنشأ وكذلك قمع المنافسة غير المشروعة and the repression of unfair competition. ).
كما تنص المادة 10 (مكررة - ثانيا) تحت عنوان المنافسة غير المشروعة على أنه:-
(( 1 - تلتزم دول الاتحاد بأن تكفل لرعايا دول الاتحاد الأخرى حماية فعالة ضد المنافسة غير المشروعة.
2 - يعتبر من أعمال المنافسة غير المشروعة كل منافسة تتعارض مع العادات الشريفة في الشؤون الصناعية أوالتجارية.
3 - ويكون محظورا بصفة خاصة ما يلي :
أ- كافة الأعمال التي من طبيعتها أن توجد بأية وسيلة كانت لبسا مع منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.
ب- الادعاءات المخالفة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي من طبيعتها نزع الثقة عن منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.
ج- البيانات أو الادعاءات التي يكون استعمالها في التجارة من شأنه تضليل الجمهور بالنسبة لطبيعة السلع أو طريقة تصنيعها أو خصائصها أو صلاحيتها للاستعمال أو كميتها. )))
ويعد نص المادة (10- مكررة /ثانيا) من اتفاقية باريس الأساس التشريعي لنظام المنافسة غير المشروعة القانوني والمصدر للنصوص الوطنية المقررة لدى النظم القانونية التي تضمنت تشريعاتها تنظيما للحماية من المنافسة غير المشروعة ، وتجدر الإشارة أيضا أن المادة 9 والمادة 10 (مكررة -اولا) من اتفاقية باريس نظمتا حظر استيراد وأوجبت مصادرة المنتجات التي تحمل علامات تجارية واسماء تجارية غير مشروعة أو تحمل بيانات المصدر او بيانات الانتاج على نحو غير صحيح ، كما ان المادة 10 (مكررة- ثالثا) من ذات الاتفاقية أوجبت على الدولة العضو في الاتفاقية ان تكفل للدول الاعضاء فيها وسائل الطعن القانونية التي من شانها حمايتهم من المنافسة غير المشروعة ومن الاعمال المحظورة بموجب المواد 9 و10 و10(ثانيا) من الاتفاقية .
1. تنظيم قواعد المنافسة غير المشروعة ضمن اتفاقيات التجارة الدولية
لا تعود جذور حماية حقوق الملكية الفكرية إلى منظمة التجارة العالمية التي تأسست عام 1995 بل وكما أسلفنا - إلى اتفاقية باريس عام 1883 الخاصة بحقوق الملكية الصناعية واتفاقية بيرن لعام 1886 التي تتناول حقوق المؤلف ، لكن إطار هاتين الاتفاقيتين والمنظمة التي ترعاهما وترعى بقية الاتفاقيات (منظمة الوايبو) لم يتح تفعيل حماية تلك الحقوق بالقدر الذي تريده الدول المتقدمة التي تسعى للسيطرة على مقدراتها الابداعية والفكرية ومنع كل ما يعيق فعالية تجارتها عالميا ، وطبيعي ان لا يحقق نظام الوايبو مثل هذا الهدف لأنه يركز بالأساس على الجوانب الفنية البحتة وعلى الحقوق القانونية ، ولا يشمل علاقة هذه الحقوق بالتجارة العالمية . وتحت ضغط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ورغم معارضة غالبية البلدان النامية انتقلت أحكام الاتفاقيتين مع بعض التعديلات إلى جولة أوروغواي فظهر الاتفاق متعدد الأطراف حول حقوق الملكية الفكرية ذات العلاقة بالتجارة (اتفاقية تربس) .
وتقرر هذه الاتفاقية في المادتين الثالثة والرابعة المبادئ العامة المطبقة على تجارة السلع والخدمات، الاول : مبدأ الدولة الأولى بالرعاية ، والثاني : مبدأ المعاملة الوطنية . وتضع الحدود الدنيا للحماية التي يتعين على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية إدراجها في قوانينهم الداخلية ، ومن بين هذه الحدود مدة الحماية ، اذ ينبغي - على سبيل المثال - ألا تقل مدة حماية براءات الاختراع عن 20 سنة وحقوق الطبع عن 50 سنة ، وعلى القوانين الداخلية وضع الأحكام الكفيلة باحترام تلك الحقوق. ويجب أن تتضمن عقوبات مالية أو بدنية فاعلة ضد من يخالفها ، شريطة أن توقع من قبل سلطات قضائية . وحسب الاتفاقية يتعين اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية الملكية الفكرية خلال سنة واحدة في الدول الصناعية وخمس سنوات في البلدان النامية و11 سنة في الدول الأقل نموا اعتبارا من بداية عام 1995.
ولا بد من الاشارة هنا وبكل حيادية وموضوعية ، ان إصرار الدول الصناعية أثناء جولة ألاورغواي على إدراج هذه الحقوق ضمن الاتفاقيات متعددة الأطراف كان نتيجة لضغوط مارستها شركات الأدوية والملابس الجاهزة التابعة لهذه الدول منطلقة من مبدا معلن قد لا يختلف عليه احد وهو عدالة حماية هذه الحقوق ووجوب احترامها ، لكن ذلك الاحترام يعرض صناعة وتجارة الدول النامية للتردي والخطر ، ونذكر على سبيل المثال صناعة الأدوية في العالم العربي التي هي في حقيقتها تعتمد على تكنولوجيا ومنتجات الدول الاجنبية ، ففي ظل التنظيم الجديد للمبادلات العالمية ستكون الدول العربية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية أمام احد خيارين ، إما أن تدفع تعويضات مستمرة للشركات صاحبة براءة الاختراع أو تتوقف عن الإنتاج ، ويقود الحل الأول إلى ارتفاع أسعار الأدوية عند الاستهلاك ، ويفضي الحل الثاني إلى تبعية العالم العربي شبه الكلية للسوق الخارجية.
ولهذا ، وبحق ، فان اتفاقية تربس من حيث اثرها تعد الاتفاقية الأكثر خطورة من بين اتفاقيات التجارة الدولية من زاوية تاثيرها على اقتصاديات الدول النامية ومنها الدول العربية ، ومن وجهة نظرنا ، والتي قد يختلف الاخرون معنا بشانها او يتفقون ، فاننا نرى انه يمكن وضع الاتفاق متعدد الأطراف حول حقوق الملكية الفكرية في مقدمة الاتفاقات التي ستكون سلبياتها على الاقتصاديات العربية أكبر بكثير من إيجابياتها.
ان اتفاقية تربس تعد اطارا شاملا لموضوعات الملكية الفكرية فهي تنظم حقوق المؤلف (وفي نطاقها نظمت حماية برامج الحاسوب وقواعد البيانات (م 10) وبذلك اضيفت هذه المصنفات الى مصنفات الملكية الادبية وتكون اتفاقية تربس قد استخدمت طريقة الاحالة المقررة في اتفاقية جنيف للمعاهدات بحيث اجرت تعديلا فعليا على المصنفات محل الحماية المقررة في اتفاقية بيرن) ونظمت الحقوق المجاورة لحق المؤلف والعلامات التجارية والمؤشرات الجغرافية والتصميمات الصناعية وبراءات الاختراع والدوائر المتكاملة والاسرار التجارية والممارسات غير التنافسية في الرخص .
والى جانب هذا التنظيم تضمنت الاتفاقية قواعد عامة بشان الملكية الفكرية وتعامل الدول معها ومعاملتها فيما بينها كما تضمنت التزامات الدول تجاه الملكية الفكرية والتدابير الوقائية والتشريعية وآليات فض منازعات الملكية الفكرية . وقد احالت اتفاقية تربس الى عدد من اتفاقيات الملكية الفكرية مقررة سريان احكام مخصوصة منها على العناصر محل التنظيم التي تناولتها الاتفاقية ، واذا كان ثمة جديد في حقل الملكية الفكرية عالميا فيتمثل باتفاقية تربس ، لا لانها اطار شامل لموضوعات الملكية الفكرية كما قدمنا ، وليس لانها ايضا اضافت قواعد جديدة في حقل الملكية الفكرية (كالقواعد الخاصة بحماية برامج الحاسوب مثلا) ، بل لانها ولاول مرة اوجدت مركزا آخر لادارة نظام الملكية الفكرية عالميا ، الا وهو منظمة التجارة العالمية ، التي خصصت اتفاقية انشائها من بين هيئاتها مجلسا خاصا باتفاقية تربس ، وايجاد مركز جديد كان يوجب تنبه المجتمع الدولي لاحتمالات التناقض بين مركزي ادارة الملكية الفكرية ، الوايبو ومنظمة التجارة ، لهذا ابرم بروتوكول او اتفاق تعاون بين المنظمتين عام 1996 لتنظيم العلاقة بينهما وتعاونهما بشان ادارة نظام الملكية الفكرية دوليا .
وفي تنظيم اتفاقية تربس لمسائل المنافسة غير المشروعة المرتبطة بالملكية الفكرية اعتمدت بشكل اساسي على ما هو مقرر في المادة 10 (مكررا - ثانيا) من اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية السابق عرضها ، وباستقراء نصوص اتفاقية تربس يظهر ان النصوص المنظمة للمنافسة غير المشروعة تتمثل بما يلي :-
- تنص الفقرة 2 من المادة الاولى من اتفاقية تربس على انه (( في هذه الاتفاقية يشير اصطلاح الملكية الفكرية الى جميع فئات الملكية الفكرية المنصوص عليها في الاقسام 1-7 من الجزء الثاني)) وبالرجوع الى الاقسام المذكورة نجدها تنظم حقوق المؤلف والحقوق المجاورة لحقوق المؤلف (القسم 1) والعلامات التجارية (القسم 2) والمؤشرات الجغرافية (القسم 3) والتصميمات الصناعية (القسم 4) وبراءات الاختراع (القسم 5) وتصميمات الدوائر المتكاملة (القسم 6) وحماية المعلومات السرية (القسم 7) ، وجرى في هذه الاقسام الاحالة للمادة 10 (مكررة) المنظمة لاحكام المنافسة غير المشروعة في اتفاقية باريس ، واهم احالة تلك الواردة في قسمي المؤشرات الجغرافية وقسم حماية المعلومات السرية – كما سنرى - وبهذا المفهوم فان المعلومات المتصلة بالمنتجات والخدمات والاسرار التجارية وما يتصل بالتعامل معها وما ترتبه من حقوق هي مسائل تدخل في مفهوم الملكية الفكرية وفق هذه الاتفاقية .
-