الشرط في الفقه الإسلامي
التّعريف :
الشّرط بسكون الرّاء لغةً : إلزام الشّيء والتزامه ، ويجمع على شروط ، وبمعنى الشّرط الشّريطة وجمعها الشّرائط . والشّرَط بفتح الرّاء معناه العلامة ويجمع على أشراط ومنه أشراط السّاعة أي علاماتها .
وهو في الاصطلاح : ما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته . وعرّفه البيضاويّ في المنهاج بأنّه : ما يتوقّف عليه تأثير المؤثّر لا وجوده ، ومثّل له بالإحصان، فإنّ تأثير الزّنا في الرّجم متوقّف عليه كما ذكر الإسنويّ ، وأمّا نفس الزّنا فلا ، لأنّ البكر قد تزني .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الرّكن :
ركن الشّيء في الاصطلاح : ما لا وجود لذلك الشّيء إلاّ به ، وهو الجزء الذّاتيّ الّذي تتركّب الماهيّة منه ومن غيره بحيث يتوقّف قيامها عليه .
والفرق بينه وبين الشّرط : هو أنّ الشّرط يكون خارجاً عن الماهيّة ، والرّكن يكون داخلاً فيها فهما متباينان .
ب - السّبب :
السّبب في الاصطلاح : ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته .
فالسّبب والشّرط يلزم من عدمهما العدم . ولكنّ السّبب يلزم من وجوده الوجود ولا يلزم من وجود الشّرط الوجود ، كصلاة الظّهر سببها زوال الشّمس وشرطها الطّهارة .
ج - المانع :
ومعناه في الاصطلاح كما ذكر القرافيّ في الفروق : هو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته ، فهو بهذا المعنى عكس الشّرط لأنّ الشّرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته .
وقال ابن السّبكيّ : المانع : هو الوصف الوجوديّ الظّاهر المنضبط المعرّف نقيض الحكم كالأبوّة في القصاص .
تقسيمات الشّرط :
ينقسم الشّرط إلى ما يلي :
الأوّل - الشّرط المحض :
وهو ما يمتنع بتخلّفه وجود العلّة فإذا وجد وجدت العلّة فيصير الوجود مضافاً إلى الشّرط دون الوجوب ، مثاله اشتراط الطّهارة للصّلاة واشتراط الرّهن في البيع .
ثمّ ينقسم الشّرط المحض إلى قسمين : شروط شرعيّة ، وشروط جعليّة .
فالشّروط الشّرعيّة هي الّتي اشترطها الشّارع إمّا للوجوب كالبلوغ لوجوب الصّلاة وغيرها من الأمور التّكليفيّة ، وإمّا للصّحّة كاشتراط الطّهارة للصّلاة . وإمّا للانعقاد كاشتراط الأهليّة لانعقاد التّصرّف وصلاحيّة المحلّ ولورود العقد عليه . وإمّا للّزوم كاشتراط عدم الخيار في لزوم البيع ، وإمّا لنفاذ اشتراط الولاية وما في معناها لنفاذ التّصرّف .
ويلزم من عدم أيّ شرط من هذه الشّروط عدم الحكم المشروط له فإذا فقد شرط من شروط الوجوب لزم عدم وجوب الفعل على المكلّف ويلزم من عدم شرط من شروط الصّحّة عدم صحّة الفعل وهكذا ، ويلزم من عدم شرط من شروط الانعقاد بطلان التّصرّف بحيث لا يترتّب عليه أي حكم .
وأمّا الشّروط الجعليّة فهي الشّروط الّتي يشترطها المكلّف في العقود وغيرها كالطّلاق والعتاق والوصيّة وهو نوعان شرط تعليقيّ مثل إن دخلت الدّار فأنت طالق ، وينظر تفصيله في ( تعليق ) ، وشرط تقييديّ مثل وقفت على أولادي من كان منهم طالباً للعلم .
وهذه الشّروط الجعليّة تنقسم من حيث اعتبارها إلى ثلاثة أنواع :
أ - شرط لا ينافي الشّرع : بل هو مكمّل للشّروط وذلك كما لو اشترط المقرض على المقترض رهناً أو كفيلاً .
ب - شرط غير ملائم للمشروط : بل هو مناف لمقتضاه ، كما لو اشترط الزّوج في عقد الزّواج أن لا ينفق على الزّوجة .
ج - شرط لا ينافي الشّرع ما شرط فيه وفيه مصلحة لأحد العاقدين أو كليهما أو لغيرهما ولكنّ العقد لا يقتضيه فلا تعرف ملاءمته أو عدم ملاءمته للعقد وذلك كما لو باع منزلاً على أن يسكنه البائع مثلاً فترةً معلومةً أو يسكنه فلان الأجنبيّ .
القسم الثّاني : شرط هو في حكم العلل :
وهو شرط لا تعارضه علّة تصلح أن يضاف الحكم إليها فيضاف الحكم إليه ، لأنّ الشّرط يتعلّق به الوجود دون الوجوب فصار شبيهاً بالعلل ، والعلل أصول لكنّها لمّا لم تكن عللاً بذواتها استقام أن تخلفها الشّروط ، ومثاله حفر البئر ، فعلّة السّقوط هي الثّقل لكنّ الأرض مانع من السّقوط فإزالة المانع بالحفر صار شرطاً وهذه العلّة لا تصلح لإضافة الحكم إليها " وهو الضّمان" لأنّ الثّقل أمر طبيعيّ والمشي مباح فلا يصلحان لإضافة الضّمان إليهما ، فيضاف إلى الشّرط لأنّ صاحبه متعدّ لأنّ الضّمان فيما إذا حفر في غير ملكه بخلاف ما إذا أوقع نفسه .
القسم الثّالث : شرط له حكم الأسباب :
وهو شرط حصل بعد حصوله فعل فاعل مختار غير منسوب ذلك الفعل إلى الشّرط كما إذا حلّ قيد صيد حتّى نفر لا يضمن عند الحنفيّة خلافاً لمحمّد ، فإنّ الحلّ لمّا سبق النّفور الّذي هو علّة التّلف صار كالسّبب فإنّه يتقدّم على صورة العلّة والشّرط يتأخّر عنها .
القسم الرّابع : شرط اسماً لا حكماً :
وهو ما يفتقر الحكم إلى وجوده ولا يوجد عند وجوده ، فمن حيث التّوقّف عليه سمّي شرطاً ، ومن حيث عدم وجود الحكم عنده لا يكون شرطاً حكماً .
ويفهم ممّا ذكره فخر الإسلام أنّه عبارة عن أوّل الشّرطين اللّذين يضاف إلى آخرهما الحكم فإنّ كلّ حكم تعلّق بشرطين فإنّ أوّلهما شرط اسماً لا حكماً ، لأنّ حكم الشّرط أن يضاف الوجود إليه وذلك مضاف إلى آخرهما فلم يكن الأوّل شرطاً حكماً بل اسماً .
القسم الخامس : شرط هو بمعنى العلامة الخالصة :
وذلك كالإحصان في باب الزّنا وإنّما كان الإحصان علامةً لأنّ حكم الشّرط أن يمنع انعقاد العلّة إلى أن يوجد الشّرط وهذا لا يكون في الزّنا بحال .
لأنّ الزّنا إذا وجد لم يتوقّف حكمه على إحصان يحدث بعده ، لكنّ الإحصان إذا ثبت كان معرّفاً لحكم الزّنا فأمّا أن يوجد الزّنا بصورته فيتوقّف انعقاد علّة على وجود الإحصان فلا يثبت أنّه علامة وليس بشرط فلم يصلح علّةً للوجود ولا للوجوب ولذلك لم يجعل له حكم العلل بحال .
ولذلك لا يضمن شهود الإحصان إذا رجعوا على حال أي سواء رجعوا وحدهم أم رجعوا مع شهود الزّنا .
ما يختصّ به الشّرط الجعليّ بقسميه المعلّق والمقيّد :
يشترط لصحّة التّعليق أمور منها :
أن يكون المعلّق عليه أمراً معدوماً على خطر الوجود أي متردّداً بين أن يكون وأن لا يكون، وأن يكون أمراً يرجى الوقوف على وجوده ، وأن لا يوجد فاصل أجنبيّ بين الشّرط والجزاء. وأن يكون المعلّق عليه أمراً مستقبلاً بخلاف الماضي فإنّه لا مدخل له في التّعليق. وأن لا يقصد بالتّعليق المجازاة فلو سبّته بما يؤذيه فقال إن كنت كما قلت فأنت طالق تنجّز الطّلاق سواء كان الزّوج كما قالت أو لم يكن لأنّ الزّوج في الغالب لا يريد إلاّ إيذاءها بالطّلاق ، وأن يوجد رابط حيث كان الجزاء مؤخّراً وإلاّ تنجّز ، وأن يكون الّذي يصدر منه التّعليق مالكاً للتّنجيز أي قادراً على التّنجيز وهذا الأمر فيه خلاف .
ما يختصّ به الشّرط المقيّد :
.